ما هي قصة مرض “صالح”..؟ وهل أنقذته السعودية للمرة الثانية فعلا..؟ ولماذا..؟ وما هي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في اليمن..؟
يمنات
العلاقات التحالفيّة، سياسيًّا وإعلاميًّا وعَسكريًّا، بين قُطبي المُعادلة اليمنيّة التي تتصدّى لحَرب التحالف العربي الذي تتزعّمه المملكة العربية السعوديّة والإمارات، أي تيّار “أنصار الله” الحوثي، وحزب المؤتمر الذي يتزعّمه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، تُعاني الكَثير من الشّروخ هذهِ الأيّام، وهي شُروخٌ تزداد اتّساعًا يومًا بعد يوم، وتُفرز مُواجهاتٍ على أكثر من جبهة.
الهُدنة الإعلاميّة التي أعلنتها، والتزم بها، الطّرفان الشهر الماضي بعد اشتباكاتٍ مُسلّحة جَرت أثناء وبعد المهرجان السياسي الكبير الذي نظّمه حزب الرئيس صالح في ميدان السبعين، انهارت بالكامل، ومن يُتابع وسائط التّواصل الاجتماعي وحساباتها يَجد أن هُناك حَربًا إعلاميّة مُشتعلة بين الطّرفين تتضمّن اتهاماتٍ بالخيانة والخَطف والقَتل والفَساد.
مساء السبت أعلن إعلاميّون وناشطون في حزب المؤتمر الشعبي العام انسحابهم من اتفاق التهدئة الإعلاميّة مع “أنصار الله” التي استمرت أكثر من شهر “ليس خَوفًا أو رُضوخًا للإجراءات القمعيّة التي باشرتها الأجهزة الأمنيّة الخاضعة لسَيطرة الحوثيين، بحَق عددٍ من الصّحافيين المَحسوبين على المُؤتمر، إنّما استجابةً للتوجيهات التنظيميّة” حسب ما جاء في بيان هؤلاء.
جاء إنهاء الهُدنة بعد شكاوى عديدة من قبل حزب المؤتمر للحوثيين باقتحام وزارة الخارجيّة التّابعة له، ومَنع الوزير هشام شرف من الدّخول إليها إلى جانب عددٍ كبيرٍ من مُوظّفيها، وتِكرار الاقتحام نفسه لوزاراتٍ أُخرى، كما أن نقل رئاسة المجلس السياسي لحزب المؤتمر كما نصّ الاتفاق ما زالت مُؤجّلة.
هذهِ الانقسامات الحادّة بين الحوثيين والرئيس صالح ناجمةٌ عن تدهور مُعدّلات الثّقة بين الجانبين، علاوةً على حُدوث تدخّلاتٍ خارجيّةٍ تُريد تَعزيزها، كلٌّ حسب مصالحه، سواء في اليمن أو في المِنطقة، والجزيرة العربيّة تحديدًا.
في 11 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي هَبطت طائرة روسيّة في مطار صنعاء تَقل فريقًا طبيًّا روسيًّا بمُوافقة المملكة العربيّة السعوديّة التي تُسيطر على أجواء اليمن، لإجراءِ عمليّةٍ جراحيّةٍ عاجلةٍ للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، العمليّة الجراحيّة أُجريت بنجاح، وظَهر التّعافي على الرئيس صالح الذي استقبل المُهنّئين.
الإعلام الرّسمي السعودي قال أن السعوديّة أنقذت حياة الرئيس صالح للمرّة الثانية، ولكنّها لم تَقل كيف ولماذا، وهو الذي يُعتبر من ألد خُصوم المملكة، وأشرس أعدائها، كيف جَرت هذهِ العمليّة وأين، ولماذا سَمحت السعوديّة بهُبوط هذهِ الطّائرة واختراق الحِصار.
هناك روايتان حتى الآن يُمكن أن تُسلّط الأضواء على هذهِ المَسألة:
الأولى: تقول أن روسيا التي قيل أن العمليّة الجراحيّة للرئيس السابق أُجريت في داخل سفارتها في صنعاء، تُريد أن تستعيد مَكانتها التي فَقدتها في اليمن، بعد وحدة الشّطرين عام 1990، وخَسارتها لقاعدتها “العند” العسكريّة التي أقامتها قُرب عدن أثناء دولة اليمن الجُنوبي الماركسيّة، ولذلك بادرت بتَحسين علاقاتها مع الرئيس صالح أحد حُلفائها القُدامى أيضًا، وطَلبت من السعوديّة عدم اعتراض طائرة فريقها الطبّي بعد أخذ الضّوء الأخضر من الأٌمم المتحدة.
الثانية: تُؤكّد أن المملكة العربيّة السعوديّة خفّفت من عدائها للرئيس صالح، بتوصيةٍ إماراتيّة، وبهَدف شق التّحالف “الحوثي الصالحي” المُعادي لها، وهذا ما يُفسّر التّقارير الإعلامية في الصّحف ومَحطّات التّلفزة التي تباهت بإنقاذ حياة الرئيس اليمني السّابق للمرّة الثانية.
مكتب الرئيس صالح أصدر بيانًا، أكّد فيه أنه لا دَور إطلاقًا للسعوديّة في العمليّة الجراحيّة، التي تَبيّن لاحقًا أنّها جَرت في إحدى عينيه، ولمُعالجة مُضاعفات حُروق تَعرّض لها أثناء عمليّة التّفجير التي استهدفته في مسجد النهدين عام 2011، وكَرّر البيان مَواقف حزب المُؤتمر في مُقاومة العُدوان الذي تَقوده السعوديّة في اليَمن.
الأمر المُؤكّد أن المملكة العربيّة السعوديّة باتت تَبحث عن حُلولٍ تُخرجها من الأزمة اليمنيّة التي طالت لأكثر من عامين ونصف العام، وباتت تُشكّل نزيفًا ماديًّا وبشريًّا لها يُثقل كاهلها، وتَجزم تقارير إخباريّة مُسرّبة أن العاهل السعودي طلب من الرئيس فلاديمير بوتين مُساعدته في هذا المِضمار أثناء زيارته لموسكو مَطلع الشّهر الحالي، ولا نَستبعد أن تَبذل جُهودًا كبيرة، وتَستخدم كُل الطّرق لدَق أسفين الخِلاف بين الرئيس صالح والتيار الحوثي، وقد مارست هذهِ اللّعبة على الحوثيين وصالح معًا من خِلال إقامة جُسور اتصالٍ معهما، علنيّةً وسِريّة.
الأخطر من كل هذا ان الإدارة الأمريكيّة التي بَدأت التحشيد لحُلفائها في الجزيرة العربيّة لمُواجهة “الخَطر الإيراني” بعد امتناع الرئيس دونالد ترامب عن التّصديق على الاتفاق النووي، أعلنت عن خُطّةٍ جديدةٍ تَشمل زيادة الدّعم العَسكري للسعوديّة، ونَقل قضيّة اليمن من قضيّة “هامشيّة” إلى قضيّةٍ “مَركزيّةٍ” لمُواجهة التهديدات الإيرانيّة.
التّصعيد العَسكري الإقليمي والدّولي المُقبل قد يأخذ مَكانه على أرض اليمن، وخَريطة التّحالفات تَقف الآن على أبوابِ تغييراتٍ استراتيجيّةٍ، وكل طَرف في الحَرب بات يُجري مُراجعاتٍ بِما يَخدم مصالحه، وسيكون الشعب اليمني هو الضحيّة في كل الحالات، فعندما تتصارع الفِيلة يكون الشّعب هو الضحيّة، لكنّنا على ثقةٍ في هذهِ الصحيفة “رأي اليوم” أن هذا الشّعب الأكثر مُعاناةً في العالم بأسره سيَتجاوز هذهِ المِحنة، مِثلما تَجاوز مِحن سابقة، ويَخرج مِنها مُنتصرًا، فهذهِ حَربٌ كُتبت عَليه ولم يخترها، والشّعوب الطيّبة الصّابرة عزيزة النّفس كاظمةٍ للغَيظ، لا تَختار أقدارها، ولكنّها لا تتردّد في المُقاومة والصّمود.
كان الله في عَون اليَمن في وَضعه الحالي المُؤلم، وما يُمكن أن يُواجهه في المُستقبل من امتحاناتٍ وصِعاب، وأبرز النّصائح التي يُمكن أن يُقدّمها المُحبّون لهذا الشّعب الكَريم، وما أكثرهم في المِنطقة والعالم، هو المُحافظة على وِحدتهم، والذّهاب إلى السّلم معًا إذا انفتحت طاقة مُفاوضاته، مِثلما ذَهبوا إلى الحَرب معًا.
افتتاحية رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا